07 Dec
07Dec

 المقدمة: 

جاءت اللغات لتميز لنا حضارات القرون السابقة وتبين لنا مدى اهمية ترابط الحضارات وتبادل اللغات حتى اصبحت كنسيج موحد، فاللغة الفارسية كان أول من نطق بها هم الايرانيون بينما العرب تميزوا بلغه أهل القران الكريم وهي اللغة العربية، في شبة الجزيرة العربية، وبناء على ما ورد اعلاه، سوف نسلط الضوء على أثر اللغة العربية على اللغة الفارسية وتأثير اللغة الفارسية على اللغة العربية، ونبين مدى ترابط هاتين اللغتين.

اللغة العربية:

هذه اللغة ممتدة الجذور إلى جاهلية العرب قبل الإسلام ، وعندما بعث الله نبيه ليرسل رسالة الاسلام اصبحت اللغة العربية هي الاساس بل  جاء القران الكريم باللغة العربية ، ونشير الى قوله تعالى : ( أنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون‏)، وقد مرت هذه اللغة بأطوار طور الجاهلية الجهلاء , وكانت اللغة في هذا الطور على الأصالة القوية , لم تشبها شائبة من غيرها , فكان الجاهليون العرب لا يعرفون إلا اللغة الفصحى في جميع أحوالهم   فكانوا ينطقون بها فتجدهم على أصل هذه العربية مع ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن اللغة قد خلقت هكذا , فهي فيهم جبلية طبيعية لا أمت فيها ولا شغي .[1]

 

حتى جاء الإسلام وهي على وضعها الطبعي القوي القويم , وكان القرآن عربياً , والنبي عربياً , بعث إلى العرب وغير العرب لحكم من الله عظيمة والله يفعل ما يشاء , فارتفعت اللغة العربية بسبب الإسلام في قرءانه وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم ، إلا أن الضعف بدأ يسري إلى هذه اللغة الشريفة ، حتى بُدل الثوب الأصيل لنطق العربية الفصحى بالثوب الدخيل له العامية أو الدارجية ,والتي اشار اليها العلماء واطلقوا عليها اسم ( العامية) ولا تعتبر من لغة العرب، لأن العرب الأقحاح في عصر السليقة لم يكونوا ينطقون بها , ولذلك من كان لا يعرف إلا العامية فقط فإنه يكون في عُجمة من أساليب الكتاب والسنة وستصعب عليه نطق اللغة العربية بل مع مرور الوقت سيتناسى هذه اللغة .[2]

 

اللغة الفارسية:

 

هي اللغة التي ينطق بها الايرانيون وهي اللغة الايرانية نسبة الى بلادهم ايران وفي الماضي كانت تسمى لغة فارس ، وتعتبر اللغة الفارسية احدى لغات المجموعة الارية او الهندية الاوروبية ومن شعوب هذه المجموعة الارية هم الهنود والايرانيون ، هناك مراحل مرت بها اللغة الفارسية : ومنها اللغة الفارسية القديمة والتي جاءت في عهد الدولة الاكمينية او الهخامنشية ، اللغة الافستية : وهي لهجه من ايالة من ايالات الايران وكانت تكتب بالمتون المقدسة للمذهب الزردشتي ، هناك اللغة الهلوية : كانت اللغة الهلوية هي اللغة الرسمية في عهد الدولة الساسانية، اللغة الفارسية الاسلامية: اللغة الفارسية الاسلامية هي اللغة الحديثة واخر مراحل تطور اللغة الفارسية.[3]

 

إثر اللغة العربية باللغة الفارسية:

 

عندما ننظر الى أثر اللغة العربية على اللغة الفارسية نرى بأن ادباء الفرس اخذوا في كتابه اللغة الفارسية بعد الاسلام حروف اللغة العربية لكتابه اللغة الجديدة  والسبب وراء ذلك هو لان الحروب البهلوية قد نسيت تماما ، كما ان اللغة الفارسية نشأت متأثرة باللغة العربية في كثير من مفرداتها وقواعدها ونقلت عنها الكثير من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية واستعارت بحور الشعر العربي وقد اختاروا منها ما يناسبهم وأضافوا اليها من عندهم ولهذا اثرت الفارسية ثراء عظيما في مفرداتها وفي نثرها مما يسهل على اللغة العربية دراستها .

 

 اصبحت اللغة الفارسية تكتب بالحروف العربية وقد اهتم الفرس بهذا الخط بعد أن صارت تكتب به لغتهم، وابتكروا أنواعاً جديدة من الخطوط العربية وقد كان لدراسة اللغة العربية   شأن عظيم في إيران منذ العصور الأولى للإسلام لكونها لغة الدين ولغة الدولة. وكانت اللغة العربية تُدرَّس في مختلف المستويات من الكُتَّاب إلى المدارس العليا وكان يهتم بها طلبة علوم الدين المرشحون للمناصب الحكومية من الكُتاب والعمال وكان الكُتاب في الغالب على جانب كبير من الثقافة الأدبية العربية بمقتضي مهنتهم.[4]

 

على الصعيد الاخر، الفارسية احتوت على كثير من الألفاظ العربية، فمن الباحثين من أحصى عدد المفردات العربية في بعض نصوص كتب التراث الفارسي، فقال: «إن في الصفحة الأولى من (تاريخ البيهقي) استخدم الكاتب مئة وخمساً من الكلمات العربية، من مئتين وستة وخمسين كلمة فارسية في الصفحة الواحدة»، أشار الدكتور محمد نور عبد المنعم في كتابه «اللغة الفارسية» أن مؤلف كتاب «قابوسنامه» أورد: ثماني عشرة كلمة من مئة وعشرين كلمة فارسية. ومنهم من أحصى اثنين وأربعين كلمة عربية في نص واحد، في إحدى خُطب شاه إيران من مئة وعشرين كلمة فارسية.

 

لم يقتصر تأثير العربية على الفارسية فقط على الكتب والخطابات بل وصل الى النثر العربي وأثره على النثر الفارسي، حيث نشأ النثر الفارسي متأثرا بالنثر العربي وازدادت الكلمات العربية في النثر الفارسي حتى وصلت نسبتها في بعض النصوص الى 80 بالمئة من المفردات، كما تابع النثر الفارسي النثر العربي في ظهور المحسنات اللفظية والصنعه والتصنع ثم التعقيد والانحطاط بفارق الزمن.[5]

 

ومن مظاهر تأثير اللغة العربية على اللغة الفارسية اولا: ترجمة الكتب العربية الى الفارسية، فقام ادباء الفرس بترجمة الكتب العربية وكان اول ما ترجموه هو تفسير الطبري وتاريخ الطبري وكان هناك ترجمتين الترجمة الاول تمت من قبل علماء ما وراء النهر والثاني الوزير الساماني ابو الفضل البلعمي ، وكان هناك بعض اللسانين الذين يكتبون الكتاب باللغة العربية ومن ثم يترجمونه بالفارسية كما فعل ابن سينا والبيروني.

 

ثانيا: الاستشهاد بالقران الكريم والحديث الشريف وكان تأثيره لا تحده حدود فإلى جانب الكتب الدينية لا تجد كتابا يستشهد بآيات من القران او حديث من الأحاديث او في رسالة وكان من يستشهد بها في الغالب رجال التصوف والمنشئين، وكذلك استخدام الدعاء الاسلامية باللغة العربية مثل رحمه الله عليه، رضى الله عنه.

 

ثالثا: انتقال بعض الاجناس الادبية – المقامة، كان هناك بعض الكتاب من العرب والفرس ذو الثقافة الاسلامية قد اخترعوا نوعا من القصة او الحكاية القصيرة هي التي عرفت باسم المقامة كتبت باللغة العربية على يد الهمداني وانتقل هذا الجنس الادبي الى اللغة الفارسية على يد البلخي والتي تعد مقاماته من أحسن ما كتب باللغة الفارسية.[6]

   

أثر اللغة الفارسية على اللغة العربية:

 

يتردد كثيرا ان اللغة العربية تأثرت باللغة الفارسية الى حد بعيد، ويذكر بعض الكتب القدامى والمحدثين أن الادب العربي تأثر بالفرس في نواح كثيرة ولكنهم لم يجملوا هذا التأثير ويفصلوه بل أطلقوه كلاما عاما وقضية مسلمة دون براهين ولكن سوف نسلط الضوء في هذا البحث على أبرز اثار اللغة الفارسية على العربية، مصحوبة بالأدلة والبراهين، من أول موضوعات التأثير الفارسي الترجمة من البهلوية الى العربية وأشهر هؤلاء المترجمين بل أولهم ابن المقفع الذي ترجم بعض الكتب الى العربية أهمها كتابه كليلة ودمنة.

 

هذا الكتاب ترجم عن السنسكريتية ولا يعرف وجهه اليقين ما الذي اجراه ابن المقفع على الاصل البهلوي من تغيير بالحذف او الإضافة ولا يمكن اجراء هذه الدراسة الا إذا تم مقارنه ترجمة ابن المقفع مع ترجمة سريانية عثر عليها 1881، كان انتقال بعض المفردات الفارسية الى العربية وخاصه في الشعر فنجد بعض الشعراء تأثروا بالفرس مثل ابي نواس ويره استعملوا كلمات فارسية اغلبها من الاسماء سواء ملوك فرس او شخصياتهم الكبيرة والمشهورة او اسماء اطعمه والبسه ومثال على ذلك:

 

قال الاعشى:

 

نهار شراحيل بن طود يريبني....... وليل أنى ليلى أمر وأعلق

 

وما كنت شاجردا ولكن حسبتني ....... إذا مسجل سدى لي القول أنطق

 

ملاحظه: كلمة شاجردا : هي التلميذ

 

ثم أكمل حتى وصل الى هذا البين (مقدمة الهامرز حتى تولت) والهامرز هنا تعني اسم لعده ملوك حكموا خلال العصر الساساني.[7]

 

تم ترجمة الاشعار الفارسية الى العربية وهي قليلة لا نكاد نجد لها شواهد كثيرة ولكن هناك مثال على ترجمة الشعر الفارسي الى العربي للشاعر الهمداني وهناك مثال حديث قام به الدكتور ابراهيم امين الشواربي وترجم ديوان حافظ الشيرازي الى العربية وقد نظم بعض قصائده شعرا بشعر وترجم بقيتها نثرا وكذلك ترجم المثنوى الى العربية.[8]

 

 عندما ننظر الى الاثر الفارسي للمصادر العربية نرى ان الصلة بالمصادر الفارسيّة:

 

يُعرض أغلب المصنفين والكتّاب المتأثرين  أو المقتبسين  عن ذكر مصادر مادتهم المقتبسة وقل أن تجد منهم من يعمد الى ذكر الكتاب الذي أخذ عنه أو نقل منه وعلى الأجمال فأنهم قد اتخذوا الطرائق التالية في تعاملهم مع المصادر، يصرح الكتاب احيانا باسم الكتاب الفارسي الذي نقل منه مادته كقول ابن قتيبة وقرأت في كتاب ابرويز الى ابنه شيروية أو قرأت في كليلة ودمنة ، يذكر الكاتبُ احيانا  أنه أخذ مادَّته من كتاب للعجم، دون تحديد لكتاب بعينه ،ينقل الكاتب أحيانا حكمًا فارسيّة قائلا وكانت  الحكماء  تقول: كذا..."، ومن ذلك قول ابن قتيبة: "وكانت الحكماء  تقول: عدلُ السلطان أيفعُ للرعية من خصب الزمان".

 

يلجأ المصنفون في بعض الاحيان الى الدمج بين مطالب ومقتبسات فارسية وعربية من غير اشارة الى ما هو فارسي وما هو عربي ومن ذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد حيث عقد فصلا خاصا لحكم اكثم بن صيفي وبزر جمهر اورده تحت عنوان (حكم أكثم بن صفي وبزر جمهر) ولكن من غير الممكن أن يفصل بين ما لكل منها من حكم. أن التفاعل التاريخي بكل صورة واشكاله بين الامتين العربية والفارسية على امتداد العصور أدى الى نفاذ مئات المفردات الفارسية في اللسان العربي ولا يخفي وجود الالفاظ المعربة في القران الكريم مثل: سندس، وإستبرق، ومرجان، وسجيل، وغيرها ..... وهناك كلمات تصعب تشخيصها نظرا للتغيرات الكبيرة التي طرأت على اللغة الفارسية.[9]

 

الخاتمة:

كما ذكرنا سابقا ان اللغة العربية مرتبطة كثير باللغة الفارسية بل ان العكس صحيح ايضا، وبينت لنا اللغة العربية أن هناك بعض من المفردات كانت دخيلة عليها واصلها فارسي خاصه ان الشعراء في تلك الفترة استخدموا بعض الكلمات الفارسية وهذا يدل على مدى ارتباط العرب بالفرس بل لو نظرنا من منظور اخر لوجدنا ان بعض الصحابة والعلماء اصلهم فارسي واتجهوا الى بلاد العرب ، ولا ننكر ان اللغة الفارسية اقتبست كثيرا من اللغة العربية سواء كان في النثر او الشعر او الاحاديث ، واصبح الفرس بعد الاسلام يستخدمون اللغة العربية لانهم يقرؤون القران الكريم وعليه بينا في البحث مدى الاثر الواضح بين اللغتين وكيف كل من اللغتين اثرت على الاخر .



[1] ندا، طه، اللغه الفارسية تاريخ وقواعد ونصوص، ( بيروت، دار النهضه العربية ، 1958)، ص: 9-10

   

[2] المرجع نفسه ، ص: 12

   

[3] المرجع نفسه ، ص: 12-13

   

[4] الريس، محمد فتحي ، الموجز في اللغة الفارسية وأدابها ، ( القاهره، دار جورج للطباعه ، 1982) ، ص: 5-6

   

[5] المرجع نفسه ، ص: 8-10

   

[6] المرجع نفسه، ص: 20-22

   

[7] عباس ، دلال، تاثير الادب الفارسي في اللغة العربية، file:///C:/Users/my%20pc/Pictures/new2/d8aad8a3d8abd98ad8b1-d8a7d984d8a3d8afd8a8-d8a7d984d981d8a7d8b1d8b3d98a-d981d98a-d8a7d984d984d8bad8a9-d8a7d984d8b9d8b1d8a8d98ad8a9.pdf، ص: 22

[8] بدون اسم ، دراسات فارسية ، قام بترجمتها الى العربية استاذة قسم اللغة العربية ، ( القاهرة ، جامعه الازهر ، 1992) 

   

[9] نداء طه، اللغه الفارسية تاريخ وقواعد ونصوص ، ص: 20-21

   

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة